أما تواضعه صلى الله عليه وسلم مع أصحابه ومن حوله، فحدث عنه ولا حرج.
ويكفي أن تعلم في هذا المقام أنه صلى الله عليه وسلم كان يركب الحمار، وهي
وسيلة نقل عادية في ذلك الزمان، ليس هذا فحسب، بل كان يحمل خلفه على
دابته، من كان لا يملك وسيلة نقل تنقله .
ومن مظاهر تواضعه صلى
الله عليه وسلم، أنه لم يكن يرضى من أحد أن يقوم له تعظيمًا لشخصه، بل كان
ينهى أصحابه عن فعل ذلك؛ حتى إن الصحابة رضوان الله عنهم، مع شدة حبهم له،
لم يكونوا يقومون له إذا رأوه قادمًا، وما ذلك إلا لعلمهم أنه كان يكره
ذلك .
ولم يكن تواضعه عليه الصلاة والسلام صفة له مع صحابته فحسب،
بل كان ذلك خُلُقًا أصيلاً، تجلى مع الناس جميعًا. يبين هذا أنه لما جاءه
عدي بن حاتم يريد معرفة حقيقة دعوته، دعاه صلى الله عليه وسلم إلى بيته،
فألقت إليه الجارية وسادة يجلس عليها، فجعل الوسادة بينه وبين عدي ، وجلس
على الأرض. قال عدي : فعرفت أنه ليس بملك .
وكان من تواضعه صلى
الله عليه وسلم، أنه كان يجلس مع أصحابه كواحد منهم، ولم يكن يجلس مجلسًا
يميزه عمن حوله، حتى إن الغريب الذي لا يعرفه، إذا دخل مجلسًا هو فيه، لم
يستطع أن يفرق بينه وبين أصحابه، فكان يسأل: أيكم محمد ؟ .
ويدل
على تواضعه صلى الله عليه وسلم، أنه لم يكن يرد أي هدية تقدم إليه، مهما
قلَّ شأنها، ومهما كانت قيمتها، ولم يكن يتكبر على أي طعام يدعى إليه مهما
كان بسيطًا، بل يقبل هذا وذاك بكل تواضع، ورحابة صدر، وطلاقة وجه .
ومن
أبرز مظاهر تواضعه صلى الله عليه وسلم ما نجده في تعامله مع الضعاف من
الناس وأصحاب الحاجات؛ كالنساء، والصبيان. فلم يكن يرى عيبًا في نفسه أن
يمشي مع العبد، والأرملة، والمسكين، يواسيهم ويساعدهم في قضاء حوائجهم. بل
فوق هذا، كان عليه الصلاة والسلام إذا مر على الصبيان والصغار سلم عليهم،
وداعبهم بكلمة طيبة، أو لاطفهم بلمسة حانية .
ومن صور تواضعه في
علاقاته الاجتماعية، أنه صلى الله عليه وسلم، كان إذا سار مع جماعة من
أصحابه، سار خلفهم، حتى لا يتأخر عنه أحد، ولكي يكون الجميع تحت نظره
ورعايته، فيحمل الضعيف على دابته، ويساعد صاحب الحاجة في قضاء حاجته .
تلك
صور من تواضعه عليه الصلاة والسلام، وأين هي مما يصوره به اليوم أعداؤه،
والمبغضون لهديه، والحاقدون على شريعته؛ ثم أين نحن المسلمين من التخلق
بخلق التواضع، الذي جسده نبينا صلى الله عليه وسلم في حياته خير تجسيد،
وقام به خير قيام ؟!